responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 7
وَاعْلَمْ أَنَّ وَصْفَ اللَّه لَهُمْ بِذَلِكَ لَا يَنْفِي كَوْنَهُمْ مَوْصُوفِينَ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي صِفَتِهِمْ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ [الْمَائِدَةِ: 54] وَقَالَ أَيْضًا: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الْفَتْحِ: 29] .
ثُمَّ قَالَ: وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: هَذَا مَذْكُورٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْنَافِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِقَوْلِهِ: قاتِلُوهُمْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ جَزَاءً لِمُقَاتَلَتِهِمْ مَعَ الْكُفَّارِ. قَالُوا وَنَظِيرُهُ: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ [الشُّورَى: 24] وتم الكلام هاهنا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ:
وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ [الشُّورَى: 24] وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ يُمْكِنُ جَعْلُ هَذِهِ التَّوْبَةِ جَزَاءً لِتِلْكَ الْمُقَاتَلَةِ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالْمُقَاتَلَةِ، فَرُبَّمَا شَقَّ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَصَمُّ، فَإِذَا أَقْدَمُوا عَلَى الْمُقَاتَلَةِ صَارَ ذَلِكَ الْعَمَلُ جَارِيًا مَجْرَى التَّوْبَةِ عَنْ تِلْكَ الْكَرَاهِيَةِ. الثَّانِي: أَنَّ حُصُولَ النُّصْرَةِ وَالظَّفَرِ إِنْعَامٌ عَظِيمٌ، وَالْعَبْدُ إِذَا شَاهَدَ تَوَالِيَ نِعَمِ اللَّه لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ دَاعِيًا لَهُ إِلَى التَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ، الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِذَا حَصَلَ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ وَالْفَتْحُ وَكَثُرَتِ الْأَمْوَالُ وَالنِّعَمُ وَكَانَتْ لَذَّاتُهُ تُطْلَبُ بِالطَّرِيقِ الْحَرَامِ، فَإِنَّ عِنْدَ حُصُولِ الْمَالِ وَالْجَاهِ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا بِطَرِيقٍ حَلَالٍ، فَيَصِيرُ كَثْرَةُ الْمَالِ وَالْجَاهِ دَاعِيًا إِلَى التَّوْبَةِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ. الرَّابِعُ:
قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ النَّفْسَ شَدِيدَةُ الْمَيْلِ إِلَى الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا، فَإِذَا انْفَتَحَتْ أَبْوَابُ الدُّنْيَا عَلَى الْإِنْسَانِ وَأَرَادَ اللَّه بِهِ خَيْرًا عَرَفَ أَنَّ لَذَّاتِهَا حَقِيرَةٌ يَسِيرَةٌ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الدُّنْيَا حَقِيرَةً فِي عَيْنِهِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِانْقِبَاضِ النَّفْسِ عَنِ الدُّنْيَا، وَهَذَا هُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص: 35] يَعْنِي أَنَّ بَعْدَ حُصُولِ هَذَا الْمُلْكِ لَا يَبْقَى لِلنَّفْسِ اشْتِغَالٌ بِطَلَبِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَعْرِفُ أَنَّ عِنْدَ حُصُولِ هَذَا الْمُلْكِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمَمَالِكِ لَا حَاصِلَ لِلدُّنْيَا وَلَا فَائِدَةَ فِي لَذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا، فَحِينَئِذٍ يُعْرِضُ الْقَلْبُ عَنِ الدُّنْيَا وَلَا يُقِيمُ لَهَا وَزْنًا، فَثَبَتَ أَنَّ حُصُولَ الْمُقَاتَلَةِ يُفْضِي إِلَى الْمَنَافِعِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ وَتِلْكَ الْمَنَافِعُ حُصُولُهَا يُوجِبُ التَّوْبَةَ، فَكَانَتِ التَّوْبَةُ مُتَعَلِّقَةً بِتِلْكَ الْمُقَاتَلَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ: عَلى مَنْ يَشاءُ لِأَنَّ وِجْدَانَ الدُّنْيَا وَانْفِتَاحَ أَبْوَابِهَا عَلَى الْإِنْسَانِ قَدْ يَصِيرُ سَبَبًا لِانْقِبَاضِ الْقَلْبِ عَنِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ، وَقَدْ يَصِيرُ سَبَبًا لِاسْتِغْرَاقِ الْإِنْسَانِ فِيهَا وَتَهَالُكِهِ عَلَيْهَا وَانْقِطَاعِهِ بِسَبَبِهَا عَنْ سَبِيلِ اللَّه، فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْأَمْرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ: وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ.
ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ أَيْ بِكُلِّ مَا يُعْمَلُ وَيُفْعَلُ فِي مُلْكِهِ وَمَلَكُوتِهِ حَكِيمٌ مُصِيبٌ في أحكامه وأفعاله.

[سورة التوبة (9) : آية 16]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16)
اعْلَمْ أَنَّ الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةَ كَانَتْ مُرَغِّبَةً فِي الْجِهَادِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي التَّرْغِيبِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْفَرَّاءُ: قَوْلُهُ: أَمْ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي يَتَوَسَّطُ الْكَلَامَ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الِابْتِدَاءُ لَكَانَ بِالْأَلِفِ أَوْ بِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُّ شَيْءٍ أَدْخَلْتَهُ فِي شَيْءٍ لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ وَلِيجَةٌ وَأَصْلُهُ مِنَ الولوج فالداخل

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 7
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست